انتاجات النادي
 
في إطار اليوم العالمي لحقوق المرأة 8 مارس
مشاركة نادي الشعلة
 
 
العنف ضد المرأة
 بين الحماية القانونية وإكراهات الواقع
 
يحظى موضوع العنف ضد المرأة باهتمام بالغ من شريحة هامة من المجتمع المغربي، وكذا على المستوى العربي والدولي، ويتجسد هذا الاهتمام من خلال اللقاءات العديدة التي تم عقدها في هذا الصدد، وكذا السياسات المتعاقبة في هذا المجال،والتي جعلت من موضوع محاربة العنف ضد المرأة إحدى الأولويات التي ينبغي أن تدمجها الدول ضمن مخططاتها وبرامجها الاجتماعية،باعتبار ذلك شرطا لتحقيق التنمية المجتمعية.
والعنف ضد النساء من أبرز القضايا التي برزت كظاهرة سلوكية تتصف بها المجتمعات، وذلك بعد ما تزايدت حدته، وتعددت أشكاله، وأصبح يشكل تهديدا لأمن الأسرة واستقرارها وانتهاكا صارخا لحقوق المرأة وكرامتها ككائن بشري.
وليس معنى هذا أن العنف ضد المرأة ظاهرة حديثة أو وليدة العصر الراهن،بل تعد من الظواهر القديمة قدم المجتمعات الإنسانية،فقد شهد التاريخ على أن المرأة عانت ولا تزال من كل أشكال العنف والاضطهاد والتمييز،منذ الماضي القديم،منذ أن كانت محتقرة حبيسة الجدران عند اليونان، ومحرومة من حق اختيارها لزوجها ومن الإرث،فلم يعترف لها الرومان بأية حقوق بل جعلوها من الأشياء التابعة للرجل، فإذا انتقلنا إلى العصور الوسطى فإننا نرى أن حظها لم يكن بأحسن مما كانت عليه في عصر الرومان.
ويذكرنا التاريخ بأن الكثير من المؤتمرات عقدت في روما للبحث حول المرأة وروحها كآدمية لدرجة أن البعض انتهى إلى أن المرأة لا روح لها على الإطلاق وأنها لن تبعث في الحياة مرة أخرى،إلى أن جاء الإسلام فكرمها وسواها بالرجل ومنحها من الحقوق والحماية ما لم يمنحها تشريع آخر.
لقد رسم الإسلام للمرأة إلى جانب أخيها الرجل منهاجا تسوده المساواة الفعلية بين الجنسين، حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز:"ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن،واسألوا الله من فضله،إن الله كان بكل شيء عليما"[1]،بل إن المساواة بين الجنسين تتجسد حتى في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في قوله عز وجل:"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله"[2].
ولقد خط الإسلام للمرأة والرجل منهاجا قويما وسديدا في إطار العلاقات الزوجية انطلاقا من الآيات المنظمة للعلاقة بين الزوجين كما في قوله تعالى:"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة،إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"،[3]وكما في قوله تعالى:"هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها"[4]، فهذه هي مكانة المرأة في الإسلام، عزة وكرامة ومشاركة وعطاء، ومن الطبيعي أن تستمد المرأة مكانتها من هذه القيم لبناء الأسرة الفاضلة المتماسكة.
إلا أنه ومع تطور الحياة اليومية، تطورت مظاهر العنف الممارس على المرأة، ولم تقتصر هذه المظاهر على مجتمع معين ولا على فئة معينة، بل شملت كل الثقافات وتعدت كل الحدود والفئات الاجتماعية، لتكشف عن أنواع جديدة من العنف، وأكثرها خطورة، ويتعلق الأمر بالعنف الأسري، وبالأخص العنف الزوجي الذي يعد من أبرز مظاهر العنف وأكثرها شيوعا داخل المجتمعات، لكونه يطال المرأة داخل مِؤسسة الأسرة، والتي من المفروض أن تكون وحدة الأمان والاستقرار التي ينطلق منها الفرد إلى مجتمعه الأرحب.
وإلى عهد قريب، كان العنف الأسري بمثابة "طابو اجتماعي" وشيء ينظر إليه كشأن داخلي لا ينبغي التصريح به علنيا، ويدخل ضمن إطار المعتاد من السلوك ويتم التكتم عليه. وأهم أنواع العنف المسكوت عنه هو العنف الممارس على المرأة من طرف زوجها، فالصمت التاريخي عنه جعله غير مرئي لسنوات، بل لقرون. إلا أن ما خضعت له المجتمعات من تحولات وما عرفه الوعي من تطور جعله يصبح مسألة مكشوفة وموضوعة على طاولة البحث والتدقيق والمساءلة.
لكن، إذا كانت محاولة التعرف ورصد الظاهرة أمرا ممكنا فإن محاولة إيجاد تحديد دقيق لمفهوم ظاهرة العنف ضد المرأة تتميز بالصعوبة، لأن تعاريفه متعددة ، وأرى أنه وإن تعددت تعاريف العنف إلا أنه يمكن أن نطلقه على استخدام القوة المادية أو المعنوية ضد الآخر،حيث تشير الموسوعة العلمية -universel- أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولا أو فعلا وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
وذكر قاموس "Webster" أن من معاني العنف ممارسة القوة الجسدية بغرض الإضرار بالغير. ويقصد بمفهوم العنف هنا تعمد الإضرار بالمرأة، وقد يكون شكل هذا الضرر ماديا من خلال ممارسة القوة الجسدية بالضرب، أو معنويا من خلال تعمد الإهانة المعنوية بالسباب أو التجريح، وهو سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فردا أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال أو إخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا وسياسيا، مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى.
فهذا العنف إضافة إلى أنه يشكل خطورة كبيرة على الفرد والمجتمع، بحيث يصيب الخلية الأولى من المجتمع بالخلل، مما يعيقها عن أداء وظيفتها الاجتماعية والتربوية في أحسن الظروف والأحوال، ويساعد على إعادة إنتاج أنماط من السلوك والعلاقات غير السوية بين أفراد الأسرة، فهو يعتبر مشكلة اقتصادية خطيرة لما يرتبه من خسائر مادية تتمثل أساسا في تعطيل الطاقات البشرية والاجتماعية مما يشكل عرقلة حقيقية لجهود التنمية.
أما على الصعيد الدولي، فرغم التطورات المهمة التي عرفتها المنظومة الدولية في مجال حقوق الإنسان، فإن قضية العنف ضد المرأة لم تكن من القضايا المدرجة في ضمن جدول أعمال المهتمين حتى مطلع التسعينيات من القرن العشرين، فقد تعامل معها البعض وفقا للاعتقادات الشائعة، فمنهم من رأى أنها من الأمور الخاصة التي لا ينبغي اقتحامها، ومنهم من رأى أنها ظاهرة محدودة ولا توجد إلا في المجتمعات التي تعاني من الفقر والجهل والتخلف. إلى أن بدأت القضية تطرح نفسها على الساحة الدولية، حيث بدأت العديد من الجمعيات النسائية والمنظمات الحقوقية تتبنى قضية العنف القائم على التمييز على أساس الجنس، وأجرت العديد من الدراسات والبحوث الميدانية التي أبانت عن ارتفاع متزايد في أرقام النساء ضحايا العنف وإخراجه من دائرة المعاناة الفردية إلى الوعي الجماعي، وبالتالي الكشف عنه كظاهرة تستوجب الدراسة والتحليل.
ويعتبر ميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمد في "سان فرانسيسكو" سنة 1945 أول معاهدة دولية تشير في عبارات محددة إلى تساوي الرجال والنساء في الحقوق، وانطلاقا من إيمان المنظمة الدولية بالمساواة في الجنسين، فقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، رفضه التمييز على أساس الجنس في مادته الثانية، وأشار في المادة 16 إلى سن الزواج الذي هو سن البلوغ، والتساوي في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج وعند انحلاله.
 لقد بدأت المنظمة الدولية ومنذ وقت مبكر أنشطتها من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة، فأنشأت لجنة مركز المرأة في العام 1946 لمراقبة أوضاع المرأة ونشر حقوقها،كما أنشأت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وذلك سنة 1979.
وبالرغم من انعقاد هذه الاتفاقية إلا أنها لم تكن سوى امتداد للاتفاقيات السابقة،خاصة وأن قواعدها مستمدة أساسا من الشرعة الدولية، ولذلك صارت الحاجة ملحة إلى اعتماد اتفاقية خاصة تهدف إلى حماية المرأة من كل أشكال العنف .
وفي سنة 1993 أتاح مؤتمر الأمم المتحدة العالمي بشأن حقوق الإنسان- الذي عقد في فيينا-الفرصة لشبكة عالمية من النشطاء المناهضين للعنف والتي تعرف باسم الحملة العالمية من أجل الحقوق الإنسانية للمرأة لتحقيق تغيير في السياسة بين الحكومات على مستوى الأمم المتحدة،وفي دجنبر 1993 اعتمد الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة والذي جاء مقررا للقواعد الخاصة بالتصدي للعنف ضد المرأة باعتبارها قضية من قضايا حقوق الإنسان.
ويعرف العنف في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة بأنه"أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أونفسية للمرأة ..سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".
ومن هذا المنطلق اتخذت قضية العنف ضد المرأة بعدا دوليا موسعا واهتماما ملحوظا عبر سلسلة من المحافل الدولية توجت سنة 1999 بالإعلان عن تخصيص يوم 25 نونبر من كل سنة يوم عالميا للقضاء على العنف ضد المرأة.
ويعد المغرب من الدول التي وعت مبكرا بخطورة العنف الممارس ضد المرأة، خاصة بعدما أثبتت الدراسات ارتفاع حجم هذه الظاهرة بالمجتمع المغربي وانتشارها في كل الأوساط والشرائح الاجتماعية، وهو ما دفعه نحو التفكير بضرورة البدء في تطويق هذا العنف والتصدي له بالنظر لما يرتبه من آثار سلبية على مكونات الأسرة والمجتمع.
وهكذا تم تنظيم أول حملة وطنية لمحاربة العنف ضد النساء سنة 1998 والتي استهدفت كسر حاجز الصمت الذي كان يحيط بالظاهرة، حيث عقدت العديد من الملتقيات الوطنية والحملات التحسيسية، كما تم إنجاز الأبحاث والدراسات اللازمة والتي ساهمت بشكل كبير في تحسين الوعي بضرورة محاربة هذه الظاهرة الاجتماعية.
وتدعيما لهذه الجهود، فقد بادر المغرب سنة2001 بوضع استراتيجية وطنية لمحاربة العنف ضد النساء، والتي اعتبرت خطوة نوعية في مجال مكافحة هذه الظاهرة، حيث تضمنت العديد من التدابير التي من شأنها مواجهة العنف الممارس على النساء بشكل تدريجي ومستديم.
لكن ورغم أهمية هذه الاستراتيجية، فقد عرف إنجازها مجموعة من العراقيل، حيث ظلت وتيرة العنف في تزايد مستمر خصوصا بعد الانتشار الكبير لمراكز الاستماع، مما شجع العديد من النساء على الخروج من صمتهن والإفصاح عن معاناتهن اليومية نتيجة تعدد أشكال العنف الممارس عليهن.
وقد كشفت التقارير والدراسات الصادرة عن هذه المراكز على أن العنف الأسري وخاصة المرتكب من طرف الزوج هو أبرز مظاهر العنف وأكثرها شيوعا بالمجتمع المغربي، حيث أصبحت المرأة عرضة لأبشع أنواع العنف النفسي والجسدي والجنسي. فمثلا جاء في تقرير صادر عن الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة ومركز الرصد والإعلام للنساء المغربيات أن ما يزيد عن61 في المائة من حالات العنف ضد النساء ترتكب من طرف الزوج.
إن العنف الزوجي يعد من أخطر أشكال العنف الموجه ضد المرأة، وذلك لما يرتبه من عواقب وخيمة على المرأة والأسرة باعتبارها أساس الاستقرار في الحياة الاجتماعية للفرد، لذلك فإن انتشار مثل هذه الظاهرة بالمجتمع المغربي إنما ينذر بخطر كبير يتهدد المجتمع خصوصا وان أرقامه في تزايد ملحوظ.
إذن أمام تزايد حجم ظاهرة العنف ضد النساء بصفة عامة، والعنف الزوجي بصفة خاصة أضحت الضرورة ملحة إلى تسليط الضوء بشكل أكبر على هذه الظاهرة وتناولها بالدراسة والتحليل واستكشاف مدى انتشارها بالمجتمع المغربي، إضافة إلى الوقوف على تجلياتها ومختلف العوامل المسببة لها. فالدعوة مفتوحة وبإلحاح إلى كل المهتمين بحقوق المرأة للبحث والتقصي حول موضوع حقوق النساء بمغربنا الحبيب.
 
 
من رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة
 في قانون الأسرة بعنوان:
 "العنف الزوجي ضد المرأة بين الحماية القانونية وإكراهات الواقع"
 للطالبة الباحثة: ثريا أمطوط
 
 


 [1] -  الآية 32 من سورة النساء.
 [2] -  الآية72 من سورة التوبة.
 [3] - الآية 20 من سورة الروم.
[4]-الآية 189من سورة الأعراف.
 
   
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement