ركن الأستاذ
 


أدوار المدرس الجديدة

بقلم الأستاذ عزيز بوستا
يعرف بلدنا والعالم بأسره، خلال العقود الأخيرة، تحولات وتغيرات سريعة؛ كان لها تأثير كبير على منظومتنا التربوية. فمؤسساتنا التعليمية اليوم تشتغل في وسط مختلف جدا عن الوسط الذي وُجد منذ عقود. إنها الآن في مواجهة مشاكل اجتماعية أكثر خطورة، وننتظر منها أن تلعب أدوارا مهمة على المستوى الاجتماعي، وأن تُعين الناشئة على تنمية وتطوير كفايات ضرورية للبقاء والاستمرارية والازدهار، في عالم سريع التطور. (هـ1 فمع انتقال العالم من عصر الآلة إلى عصر المعلومات والعولمة، ودخوله مرحلة التغييرات السريعة، أصبحت الأنظمة التربوية مضطرة لمراجعة طرق وآليات اشتغالها، وفلسفتها، وبرامجها، من أجل التكيف مع البيئة الجديدة. وتأتي أدوار المدرس في مقدمة العناصر التي يجب أن يشملها التغيير الذي تفرضه التحديات البيئية المشار إليها؛ إلى جانب عناصر أخرى لا تقل أهمية، تتعلق بجوانب تنظيمية وإدارية وتشريعية
لعل أهم ما ميز أدوار المدرس التقليدية، والتي لازالت – للأسف الشديد- مستمرة بأشكال ودرجات متفاوتة في مدارسنا؛ الاعتماد المفرط للتلاميذ على مدرسهم على كافة المستويات: فقد كان المدرس يمثل المصدر الرئيسي للمعلومات إلى جانب الكتب المدرسية، والعنصر المحوري في الفصل الدراسي، والمسؤول الوحيد عن أنشطة القسم على مستوى التخطيط والتنفيذ والتقويم… (هـ 2)، كما كان همه الوحيد هو تنفيذ البرنامج الدراسي، وتحقيق أهدافه التي غالبا ما تقتصر على معلومات ومعارف محضة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأدوار التقليدية للمدرس كان لها ما يبررها خلال العقود السابقة؛ إذ كانت منسجمة مع مستوى التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي الذي عرفه العالم سابقا؛ بحيث كان يُمثل فيه مجتمع الفصل الدراسي عينة صغرى تعكس ما يوجد في واقع المجتمع برمته
أما في عصرنا الحاضر، بعد حصول التغييرات التي أشرنا إليها سابقا، وتطور الأبحاث والدراسات في مجال البيداغوجيا والديداكتيك، وخضوع أغلب المنظومات التربوية – ومن ضمنها منظومتنا التربوية المغربية – لإصلاحات كبرى تسعى لردم الهوة الكبيرة التي تفصل المؤسسة التعليمية عن التحولات الهامة والتقدم الكبير في مجال العلم والتكنولوجيا… أمام هذه التغيرات السريعة، كان لا بد لأدوار المدرس أن تتغير؛ فهو لم يعد اليوم المالك والمحتكر الوحيد للمعرفة والمعلومات، فباستطاعة أي تلميذ أن يحصل عليها بسهولة من كافة وسائل الاتصال المتاحة. كما أن التلميذ نفسه لم يعد ذلك الطفل السلبي، سهل الانقياد، والذي يقبل كل الأوامر والنواهي، بل والعقوبات القاسية التي يُلحقها به المدرس التقليدي. فالانفتاح السياسي التدريجي الذي يعرفه مجتمعنا، وازدياد انتشار الثقافة الحقوقية عامة وثقافة حقوق الطفل خاصة، جعلت المدرس التقليدي يعاني كثيرا من المشاكل مع تلاميذه وآباء وأولياء أمور تلاميذه
وعلى المستوى البيداغوجي، تدعو مقاربة التدريس بالكفايات – التي تبناها الإصلاح التربوي المغربي إلى تغيير دور المدرس ليصبح مدربا، كما هو الحال في ميدان رياضي أو ورشة فنية، وداعما لتعلمات تلاميذه. إنه يُنظم وضعيات مركبة، ويكتشف مشاكل وتحديات، ويقترح مشاريع … دوره إذن هام جدا، لكنه لا يتموقع في مقدمة "المسرح" الدراسي، ولا يحتكر الكلمة. وكفاياته المهنية تتطور بـ:    الهندسة الديداكتيكية، وإعداد وإنجاز وضعيات تعلمية، من جهة،
·        والقدرة على التتبع والملاحظة التكوينية، والضبط السلس للأنشطة والتعلمات ، من جهة أخرى… (هـ 3)
كما أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي يمثل آخر وأهم إصلاح تعرفه المنظومة التربوية المغربية؛ دعا بشكل مباشر أحيانا، وبشكل ضمني أحيانا أخرى، إلى ضرورة تبني المدرس لأدوار جديدة من أجل النهوض بمستوى التعليم بمؤسساتنا التربوية. ويمكننا الوقوف على ذلك من خلال دعوته (الميثاق) إلى < <... جعل المتعلم بوجه عام، والطفل على الأخص، في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال  العملية التربوية التكوينية. وذلك بتوفير الشروط وفتح السبل أمام أطفال المغرب ليصقلوا ملكاتهم، ويكونون متفتحين مؤهلين وقادرين على التعلم مدى الحياة.
 وإن بلوغ هذه الغايات ليقتضي الوعي بتطلعات الأطفال وحاجاتهم البدنية والوجدانية والنفسية والمعرفية والاجتماعية، كما يقتضي في الوقت نفسه نهج السلوك التربوي المنسجم مع هذا الوعي، من الوسط العائلي إلى الحياة العملية مرورا بالمدرسة.>> (هـ 4)
وهكذا يتبين أن المدرس لم يعد يهتم فقط بنقل المعارف للمتعلم، بل عليه الاهتمام أيضا، بتلبية حاجاته السيكولوجية والانفعالية والمعرفية والاجتماعية لتحقيق نمو متكامل لشخصية المتعلم. ولا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا كان المدرس على وعي تام بالأدوار الجديدة التي يدعو لها الإصلاح، كما تدعو لها كل النظريات التربوية الحديثة. لذا فبجانب الدور التعليمي للمدرس، والذي يجعل منه موجها ومدربا للمتعلم… أصبحت له أدوار جديدة وهامة جدا، لازال غالبية مدرسينا لم يستوعبوها أو لم يقتنعوا بها. وأهمها:
 1-         تنشيط الحياة المدرسية من خلال المشاركة في الأندية المدرسية والجمعيات المهتمة بكل جوانب الأنشطة الموازية كالبستنة والمسرح والموسيقى والتنشيط والتوعية … الخ
 2-         المساهمة في تدبير شؤون المؤسسة من خلال الانخراط في أحد مجالسها الأربعة: "مجلس تدبير المؤسسة"، و"المجلس التربوي"، و"المجالس التعليمية"، ومجالس الأقسام". حيث دعت الإصلاحات الجارية إلى ممارسة تدبير جماعي للمؤسسات باعتماد أسلوب تشاركي وتعاوني في كل ما يرتبط بشؤون المؤسسة التربوية والاجتماعية والمادية…
 3-         مساهمة المدرس من خلال انخراطه في مجالس المؤسسة والأندية التربوية، في انفتاح مؤسسته على محيطها السوسيوثقافي، والمساهمة أيضا في تنمية المجتمع من خلال عقد شراكات مع جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، ودعوتها للمساهمة في تطوير الأداء التربوي للمؤسسة، وإنجاز أنشطة مشتركة بين الطرفين لما فيه مصلحتهما معا.
 4-         ويدعو الإصلاح أيضا إلى إشراك جمعية آباء التلاميذ في مجالس المؤسسة، لتساهم إلى جانب الإداريين والمدرسين وممثلين عن الجماعات المحلية، في تدبير شؤون المؤسسة التربوية، مما يعني ضرورة العناية بربط علاقات إنسانية وتربوية مع آباء وأمهات التلاميذ، والتعاون معهم لخلق مناخ تربوي سليم في البيت والمدرسة …
 5-         أكد الإصلاح على ضرورة تعميم تكنولوجيا الإعلام والتواصل والمعلوميات والأنترنيت في كل المؤسسات التعليمية من خلال إنجاز مشروع "جيني" (Genie) الذي بدأ في تجهيز المؤسسات وتكوين المدرسين في هذا المجال (وقد شمل لحد الآن ثلث المؤسسات التعليمية بكل المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية، بكافة أرجاء التراب الوطني)، مما يدل على أن من أهم الكفايات التي على المدرس اكتسابها وتطويرها؛ إتقان استخدام هذه التكنولوجيا في المجال التربوي
في ختام هذا المقال، لا بد من الإشارة إلى أهمية هذه الأدوار الجديدة للمدرس في إصلاح المنظومة التربوية المغربية، وفي بعث روح جديدة في المدرسة المغربية، وإعادة ثقة المدرس في نفسه وتقدير المجتمع له.
ولا شك أن تفعيل هذه الأدوار الجديدة ليس أمرا هينا، بل يصطدم – ككل تجديد- بمقاومة التغيير من طرف كثير من المدرسين والإداريين الذين لم يقتنعوا بعد بأهمية هذه الإصلاحات، أو لم يُؤهلوا لخوضها… لذا لابد – من أجل تمكين المدرسين من القيام بكل هذه الأدوار الجديدة- من إقدام منظومتنا التربوية على استراتيجيات محكمة للغيير، مرفوقة بتوفير الإمكانيات اللوجستيكية لإنجاز هذه الإصلاحات.
نقلا عن مدونة آفاق تربوية 
 
   
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement